القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر الاخبار

يافا: تفاصيل معركة سلمة الباسلة في فترة النكبة




سلمة قرية محاطة بالمستعمرات الصهيونية، تقع على طريق يافا ـ اللد التي كانت  تسلكها القوات البريطانية من وإلى معسكر ليتفنسكي. منذ 1/12/1947 والصهاينة يتحرشون بأهالي سلمة، حيث اعتدى سكان هتيكفا على مزارع عربي فما كان من شبان سلمة إلا الرد بقتل اثنين من الصهاينة في نفس اليوم والمكان. شن الصهاينة هجوماً قوياً بمجرد مغادرة البريطانيين، فتصدى لهم الأهالي وكبدوهم خسائر فادحة، فأجبروا على التراجع، لكن المفاجأة كانت أن هناك هجوم آخر من شمالي للقرية، لكن مناضلي سلمة استطاعوا صد الهجوم وقاموا في الليلة نفسها بهجوم معاكس على مستوطنة هيتكفا وأشعلوا النار في بعض المنازل، ففر سكان المستوطنة تاركين 26 طفلاً وراءهم سلمهم المجاهدون للسلطات البريطانية.






في يوم الأحد الواقع في 8/12/1947 أي بعد حوالي عشرة أيام من صدور قرار التقسيم وبينما كانت امرأة عربية من سلمة (عائشة إبراهيم الحوتري) تجمع الأعشاب والحشائش من بيارة لهم مجاورة لمستعمرة هاتكفا وكان اليهود في ذلك الوقت كما سبقت الإشارة إلى ذلك في قمة فرحهم وسرورهم يتظاهرون غبطة وابتهاجاً بقرار التقسيم وقرب قيام دولتهم التي كانوا يحلمون بها شاهد بعضهم تلك الفتاة العربية فحاولوا الاعتداء عليها فما كان من الفتاة إلا أن صرخت بأعلى صوتها تستنجد بالمتواجدين في بياراتهم المجاورة من أهلي سلمة الذين هبوا على الفور لنجدتها وحصل اشتباك في الأيدي في البداية بينهم وبين ذلك النفر من شباب اليهود الذين حاولوا الاعتداء على تلك الفتاة التي مضت إلى البلدة وهي تكرر الصراخ وسرعان ما انتشر الخبر بين أهالي بلدة سلمة الذين أسرع بعضهم إلى حمل سلاحه والتوجه فوراً إلى مكان الحادث، ولما رأى اليهود تقاطر أهالي سلمة بأسلحتهم ذهبوا من فورهم للاستنجاد ببني جلدتهم من سكان المستعمرة، ولم يمض وقت طويل حتى تطور الأمر إلى تبادل إطلاق النار بين الفريقين، وكان سماع إطلاق النار كفيلاً بأن يجعل أهالي سلمة يغلون كالمرجل، 
وقد بادر بعض شباب سلمة بالهجوم نذكر منهم كل من:
 فارس محمد الحسين، سعيد الشادوح، سيد حفناوي، خميس أبو رقعة، صالح رمضان، وخليل السالم صقر، وأسرع كل من يملك سلاحاً إلى حمل سلاحه وجمهور من الرجال والنساء من خلفهم يرددون الله أكبر الله أكبر، وكان الغروب قد بدأ ينشر أجنحته على الكون حينما تجمع المسلحون من أهالي سلمة ووجدوا أن الأعداء اليهود لا زالوا يطلقون عليهم النار فأصروا على اقتحام المستعمرة وتأديبها انتقاماً على فعلتهم الشنعاء في محاولة الاعتداء على الفتاة العربية، وفعلاً صاحوا بصوت واحد - الله أكبر... الله أكبر، فتح ونصر، واقتحموا المستعمرة غير هيابين ولا آبهين بطلقات الأسلحة التي كانت توجه إليهم من الأعداء، وكان لصدى تكبيرهم فعل السحر في نفوس أهالي بلدة سلمة الذين هبوا جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً فحملت النساء أوعية الكاز وأعواد الثقاب وهن يزغردن ويزودن بها الرجال والفتيان الذين مشوا وراء المسلحين من رجالهم، فالمسلحون يطهرون بيوت الأعداء من سكان المستعمرة من المقاومة وغير المسلحين من خلفهم يصبون الكاز في تلك البيوت ويشعلون النار فيها، وقد فتحت معظم بقالات أهالي سلمة أبوابها، لتقديم الكاز وأعواد الثقاب للمهاجمين من أهالي سلمة ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (محمود العيشة) أو محمود محمد يوسف أبو نجم وموسى مفتاح وغيرهم من أصحاب البقالات في البلدة.


ولم تمض ساعة حتى كان وهج النيران المنبعثة من هذه البيوت المحترقة تضيء فضاء الكون وتبدد حلكة الظلام وقد ترامى إلى أسماع القرى العربية المجاورة أنباء المعركة الناشبة بين أهالي سلمة وسكان مستعمرة هاتكفا من اليهود وسمعوا الانفجارات وتبادل إطلاق النار فأسرعوا إلى أسلحتهم وإلى السيارات التي أوصلتهم في أقل من ساعة إلى ساحة المعركة واشتركوا على الفور مع إخوانهم أهالي سلمة وظلوا يتتابعون في وصولهم من مختلف القرى العربية المجاورة وخاصة أهالي العباسية الشجعان التي وصلت أعداد كبيرة منهم وشاركت في تلك المعركة التي كانت لها نتائجها الحاسمة فيما بعد، أما الأعداء اليهود فقد ذعروا وسيطر عليهم الخوف والهلع نتيجة لسماعهم أصوات التهليل والتكبير التي كانت تقع في أذهانهم كقصف الرعد وزغاريد النساء وتقاطر المسلحين من كل صوب وحدب ووهج النيران المنبعثة من بيوتهم المحترقة فتراجع المسلحون منهم واختفوا نهائياً من ساحة المعركة وراح الأهالي من سكان المستعمرة يفرون من بيوتهم كالمجانين، وقد ظنوا بأن القيامة قد قامت لفرط ما شاهدوا من هول تلك الليلة الليلاء، ومضى أهالي سلمة ومن جاء لنجدتهم ومشاركتهم في تلك المعركة يتقدمون في تطهير مقاومة الأعداء أو تصفيتها دون التعرض إلى العزل من السلاح من سكان المستعمرة أو إيذائهم حتى جاوزوا المستعمرة، ووصلوا إلى حي شابيرا الكائن في أطراف مدينة تل أبيب التي سيطر الخوف الهلع على سكانها أيضاً لدى سماعهم بهجوم أهالي سلمة ومشاركة القرى المجاورة في الهجوم على مستعمرة هاتكفا واقتحامهم لها ووصولهم إلى أطراف مدينتهم، ولذلك بادر كثير منهم إلى الالتجاء إلى البواخر الراسية في ميناء تل أبيب خوفاً من وصول العرب إليهم والفتك بهم كما بادر زعائمهم إلى الاتصال بسلطات الانتداب البريطاني لنجدتهم وحمايتهم وبالفعل بادرت تلك السلطات إلى إرسال مجموعات كبيرة من قواتهم المعززة بالدبابات والعربات المصفحة وأنذروا المسلحين العرب من أهالي سلمة والذين شاركوهم في ذلك الهجوم بأن عليه الانسحاب والعودة إلى أماكنهم التي جاءوا منها وإخلاء مستعمرة هاتكفا والأحياء اليهودية المجاورة التي احتلوها حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكانت الساعة تقارب ذلك الوقت فقد تجاوزت الثانية عشرة بقليل وكل مسلح تجده القوات البريطانية ـ التي كانت قد أعلنت بأنها لن تتدخل في أي قتال يحصل بين العرب واليهود - سوف تطلق النار عليه، ونتيجة لهذا الإنذار وشعور أهالي سلمة بأنهم قد قاموا بما فيه الكفاية من تأديب اليهود على محاولتهم الاعتداء على الفتاة العربية فقد غادروا المستعمرة الأحياء اليهودية التي احتلوها منسحبين بعدما أبلوا البلاء الحسن في هجومهم على تلك المستعمرة ولقنوا الأعداء درساً لن ينسوه، وقد نشرت إحدى جرائدهم (جريدة البالستاين بوست) خبر هذا الهجوم على مستعمرة هاتكفا على الشكل التالي (الهجوم على حي هاتكفا – قوات سعودية ويمنية من بين المهاجمين) ظناً من الأعداء بأن هذا الهجوم الذي انخلعت منه قلوبهم، وكان المهاجمون يرددون فيه الله أكبر الله أكبر فتح النصر، لا يمكن أن يكون من أهالي سلمة وحدهم، وأن هذا التهليل هو شعار السعوديين أو اليمنيين فقط.

أ. نتائج المعركة:
 رغم اتساع هذه المعركة وشمولها وطول مدة استمرارها حيث بدأت من أصيل ذلك اليوم واستمرت حتى منتصف الليل فلم يقتل من المهاجمين سوى شابين من أهالي سلمة هما
 (1) الشهيد عبد الرحمن عبيد الحاج أحمد 
(2) والشهيد محمد عبد الدايم الذي ودعته والدته من بيتهم وحتى دفنوه في مقبرة البلدة بالزغاريد وبقيت هذه المرأة تناضل وتصر على أن تذهب بنفسها لتزود المناضلين بالماء والطعام والذخيرة طيلة استمرار المعركة،
كما جرح اثنان أيضاً هما (1) المناضل فارس محمد حسين العلي (2) والمناضل خميس أبو رقعة،
 ولم يقتل أو يجرح أي أحد من الذين شاركوا أهالي سلمة من أبناء القرى المجاورة بينما قتل وجرح عدد كبير من المسلحين اليهود الذين كانوا يسرعون في انسحابهم وفرارهم من أمام المهاجمين العرب وأحرقت ودمرت عشرات البيوت والتي ظلت خاوية ولم يتمكن أصحابها من العودة إليها خشية من عودة مهاجمتهم من قبل العرب وخاصة تلك التي كانت على أطراف المستعمرة وفي مواجهة بلدة سلمة 
ولو شاء العرب قتل النساء والأطفال والعزل من السلاح من سكان المستعمرة لقتلوا الألوف ولكنهم ترفعوا عن ذلك. متطلبات المعركة وكيف واجهت بلدة سلمة هذه المتطلبات: ونتيجتا لمعركة مستعمرة هاتكفا انفه الذكر فقد استحكم العداء أهالي سلمة وسكان المستعمرات المجاورة التي كانت تحيط ببلدة سلمة في قوس شبه دائري لا ينفصم إلا من الجهة الجنوبية الشرقية فقط،ولهذا فقد أصبح لزاماً على بلدة سلمة أن تواجه كافة تلك المستعمرات المحيطة بها والتي أقامات حولها نقاطاً قوية من الحراسة خشية محاولة مهاجمة البلدة لها والانتقام منها على ما فعلته في مستعمرة هاتكفا،وهذا ما حصل بالفعل مراراً وتكراراً ولسوف نذكر بالتفصيل بعض تلك المحاولات، نقول إن تلك المعركة فرضت على بلدة سلمة بأن تكون دائماً على أهبة الحيطة والحذر من محاولات الأعداء للهجوم عليها والانتقام منها وهذا الأمر بالطبع يحتاج إلى متطلبات وتوفير إمكانات لم تكن متوفرة لدى أهالي سلمة في ذلك الوقت فكيف العمل؟ هل تترك المستعمرات المحيطة بها والتي كانت تتوق للانتقام منها؟ أم أن عليها أن تقيم نقاطاً قوية من الحراسة الدائمة في وجه نقاط المستعمرات المجاورة، ومن أين تستطيع إقامة حراسة مسلحة دائمة في قوس يزيد طوله عن خمس كيلو مترات ومن أين تأتي بالسلاح اللازم لتزود به كل أولئك الذين يجب أن تضعهم في نقاط الحراسة المقابلة لنقاط العدو، ثم من أين تدفع لهؤلاء الحراس رواتب وأجور ليتمكنوا من إعالة عائلاتهم خصوصاُ وأن معظم أهالي سلمة كانوا يعتمدون في معيشتهم على العمل اليومي، وقد توقفت معظم الأعمال وتعطلت المشاريع بسبب انشغال البلاد بالمعارك التي بدأت تدور رحاها على مستوى كافة البلاد ولمتكن الهيئة العربية العليا قد أقامت القيادات بعد أو أمدتها بمستلزمات المعركة وبكامل متطلباتها من سلاح وذخيرة ومال، وكانت اللجنة القومية في سلمة كما أسلفت القول تتألف من وجهاء البلدة من كبار السن وكان معظمهم غير قادر بحكم السن على العمل المجدي وكان المجلس القروي في بداية تشكيله بعد ولم يتمكن من جمع ضرائب أو أموال يستطيع أن يسهم بها في هذه المعركة. وهكذا فلم يكن أمام قيادة البلدة سوى الاعتماد على وطنية أهالي البلدة وحماستهم وفي مثل هذه الأحوال فإن الاعتماد على العواطف لا يكفي لتلبية متطلبات المعركة الكثيرة والتي أصبحت تتزايد ساعة بعد ساعة في ظل هذه المواجهة التي تحتاج إلى مزيد من السلاح والذخيرة والرجال والأموال ومع ذلك فلم يكن بد في بداية الأمر من الاعتماد على وطنية أهالي البلدة في سد هذه الاحتياجات فتطوع كل من يملك سلاحً للمرابطة أمام نقاط المواجهة مع العدو وتطوع عدد مماثل من الشباب لمناوبتهم وحمل نفس سلاحهم والهر على أمن البلدة بعد منتصف الليل، وهكذا تناوب هؤلاء الأبطال على حمل السلاح الموجود رجلان لكل قطعة سلاح، نصفهم يحملونه من بعد غروب الشمس، والنصف الآخر من منتصف الليل وحتى الصباح، وبقيت مشكلة تزويد هؤلاء المسلحين بالذخيرة اللازمة لهم من أجل الرد على إطلاق النار من قبل العدو بمثله سيما وأن حراس المستعمرات اليهودية كانوا يكثرون من إطلاق الرصاص من أسلحتهم الرشاشة بكثرة على البلدة ومن كافة الاتجاهات لإزعاج أهالي بلدة سلمة وإقلاق راحتهم وجعلهم لا يشعرون أبداً بالطمأنينة ولتحطيم معنوياتهم، وكان لا بد من أجل عكس هذه الغايات التي كان يتوخاها الأعداء من الرد بكثافة على نيران العدو، فمن أين يأتون بالذخيرة اللازمة لمثل هذا العمل اليومي ومن أين لهم ثمن هذه الذخيرة،ولذلك اضطر عدد من شباب البلدة للطواف على أهالي البلدة في تجمعاتهم في المقاهي والدواوين المختلفة لجمع التبرعات لشراء الذخيرة وكان لا بد لهم من جمع ما لا يقل عن (50) خمسين دينارًا في كل ليلة لإعطائها لأحدهم لكي يذهب لشراء صندوق ذخيرة يحتوي على (200) مشط كل مشط يحتوي على خمس رصاصات، فكان يذهب من يكلف بهذه المهمة إلى القرى العربية المحيطة بمعسكرات الجيش البريطاني التي كانت موجودة بكثرة في منطقة وادي الصرار في فلسطين مثل قرى قطرة وعاقر وآذنبة وخلدة وغيرها من القرى المحيطة بهذه المعسكرات، حيث كان من السهل شراء مثل هذه الصناديق من الذخيرة من ضباط هؤلاء المعسكرات الذين يقومون بسرقة تلك الصناديق وبيعها لكل من يريد شراءها، وقد أصبح هذا العمل واجباً يومياً لا بد من القيام به في كل ليلة حتى يمكن تزويد كل مقاتل أو مسلح بما لا يقل عن خمس رصاصات لإطلاقها في مواجهة استفزازات العدو وقيامه بمناوشة حراس البلدة ومحاولة اختباره لمواقع وأمكنة الضعف فيها وكان من غير المعقول عدم الرد عليه وإشعاره بقوة الحراسة التي تواجهه ولكن ضاق الشباب ذرعاً بهذا الواجب اليومي الذي لا فكاك منه وملوا من القيام به، كما شعروا بأن الأهالي الذين يجمعون منهم التبرعات قد ملوا هم أيضاً من ضرورة التبرع لهم في كل ليلة، وكانت القيادة للمنطقة الوسطى التي أقامتها الهيئة العربية العليا لا تستطيع تزويد البلدة بما يكفي متطلباتها واحتياجاتها من سلاح وذخيرة.


الهجوم على البلدة من الجهة الشمالية الغربيةفي النصف الثاني من شهر كانون أول عام 1947 ولم يمض على معركة مستعمرة هاتكفا سوى أسبوعين تقريباً، حاول اليهود مهاجمة بلدة من الجهة الشمالية الغربية في محاولة منهم للانتقام من أهالي البلدة والثأر لمعركة مستعمرة هاتكفا، وقد قاموا بهجومهم ذاك قبيل الغروب بقليل وقبل أن يتوجه الحراس إلى أخذ أماكنهم في نقاط الحراسة، وكانت نقطة الحراسة التي وقع عليها الهجوم تقع في دار المرحوم علي الدريني، وفي بيارته الكائنة شمالي البلدة فتسللت بعض مجموعات العدو من بين أشجار البرتقال، وأمطرت نقطة الحراسة تلك بوابل من نيران أسلحتهم معتقدين بأنهم إذا تمكنوا من اجتياز هذه النقطة ومفاجأة حراسها الذين قد يكونون لم يأخذوا أماكنهم بعد من اقتحام البلدة من هذه الجهة والتوغّل فيها وقتل عدد من أهالي البلدة، ولكن لسوء حظهم فإن صاحب البيت وأولاده الذين كانوا على أهبة الاستعداد كانوا متيقظين تماماً، وردّوا على نيران المهاجمين بأسرع مما توقعوا، ثم أمطروهم ببضعة قنابل كانت أصواتها كفيلة بتنبيه كافة مسلحي البلدة الذين أسرعوا في أخذ أماكنهم في مواجهة الأعداء، ودارت معركة عنيفة بين المهاجمين الذين أخذوا بتيقظ أصحاب البيت وشدة نيرانهم التي جعلت كافة مسلحي البلدة يسرعون في الحضور والاشتراك في المعركة وبين مسلحي أهالي بلدة سلمة الذين كان عدد منهم – لحسن الحظ – يجاور النقطة التي هوجمت، ولم يستغرق أمر مشاركته في المعركة سوى دقائق قليلة، كما كان عدد من الحراس في طريقهم إلى نقاط الحراسة فأسرعوا هم الآخرون يردون على إطلاق النار بالمثل ويشكّلون سداً منيعاً في وجه الأعداء الذين لم يكونوا يتوقعون مثل هذه السرعة في الرد عليهم.. وهكذا لم يلبثوا أن انسحبوا يجرجرون أذيال الخيبة والفشل، ونجحت البلدة وأهاليها من شر ذلك الهجوم الغادر الذي اعتقد الأعداء بأنهم سوف ينجحون من خلاله في النيل من بلدة سلمة وأهاليها. الهجوم على البلدة من الجهة الشمالية الشرقية قبيل منتصف ليل 18/1/1948 بقليل قامت مجموعات عديدة من الأعداء جاءت من جهات مختلفة وفي لحظة واحدة فتحت نيران أسلحتها على النقطة التي كانت تتواجد في بيت والد مؤلّف هذا الكتاب والذي كان يقع في أقصى الطرف الشمالي الشرقي لبلدة سلمة، وكان هذا البيت يقع على ربوة مرتفعة تعرف (بالطبقة) وتشرف على مختلف الجهات من حولها، وقد استمر ذلك الهجوم العنيف والذي قامت به مجموعات كبيرة من العدو جاءته الثلاث الشرق والشمال والغرب وأطبقت على المدافعين عن تلك النقطة التي كانت تتمركز في ذلك البيت، واستمرت المعركة من منتصف الليل وحتى الساعة الرابعة صباحاً حينما فرغت ذخيرة المدافعين تماماً وأصبحت الأسلحة في أيديهم عديمة الجدوى وكأنها عصي واضطروا إلى الانسحاب جنوباً من الخندق المقام من طرف البيت وحتى البيوت المجاورة جنوباً وتمكّن العدو كم دخول البيت ووضع مقادير كبيرة من الديناميت شديدة الانفجار ونسفه، وقد كان لانفجار الديناميت ونسف ذلك البيت دوي هائل سمع صداه من مسافات يزيد بعدها على 25 كيلومتراً وقد استشهد في ذلك الهجوم كل من الشهداء: المرحوم الشهيد حمودة سويدان، والمرحوم الشهيد عبدالفتاح الجليس، وأصيب كل من المناضلين: راجح السلفيتي، سعيد الحفناوي، محمود شحادة العالم، الحاج علي اليماني، وعبدالجواد أبو حاشية.
معركة بيارة الشيخ علي
في 1/2/1948 حاول اليهود بعد منتصف الليل بساعة أو أكثر مفاجأة نقطة الحراسة والتي كانت تقع في بيارة الشيخ علي والملاصقة تماماً لمستعمرة هاتكفا والتي اقتحم أهالي سلمة لتلك المستعمرة في 8/12/1947 في أول الأمر من هذه النقطة، وقد كان في هذه النقطة مدفع رشاش هوشكز أمريكي الصنع والذي كثيراً ما أمطرهم بوابل نيرانه، وحال بينهم وبين مهاجمة البلدة من هذه ليقظة القائمين عليه، كما كانت تتمركز في هذه النقطة راجمة الألغام التي هي من صنع محلي والتي كان صوت قذائفها يدخل الخوف والهلع في نفوس كافة سكان المستعمرة والمستعمرات المجاورة وأمل العدو من ذلك الهجوم بمفاجأة حرّاس تلك النقطة المنيعة من الحراسة، والتي كانت ترعبهم دائماً فتسللوا في الساعات الأولى من الصباح في ليلة باردة، تظلل هجومهم أشجار البرتقال الكثيفة المتشابكة حتى أصبحوا على مسافة ياردات قليلة من استحكامات أهالي سلمة، وقد فوجئ المسلّحون فعلاً في بداية الأمر، وكان يرابط في هذا الاستحكام المتقدّم خيرة المدافعين عن البلدة، ودارت معركة عنيفة بين المهاجمين والمدافعين عن هذا الاستحكام من مناضلي أهالي سلمة الأبطال الذين سرعان ما زالت عنهم مفاجأة العدو لهم، وراحوا يمطرون العدو بوابل كثيف من أسلحتهم وخاصة المدفع الرشاش هوسكز الذي راح القائمون على أمره بتسليط نيرانه على كافة أرجاء المستعمرة وتمشيطها بيتاً بيتاً، وكذلك راجمة الألغام التي قذفهم مدافعوا بلدة سلمة البواسل بوابل من قذائفها التي أضاءت فضاء الكون وهي منطلقة، ومزّقت سكون الليل بصوتها المنطلق كصوت الرعد يصمّ الآذان ويخلع القلوب من صدور الأعداء، وقتل من العدو أعداد كبيرة من المهاجمين، كما استشهد من المدافعين عن ذلك الاستحكام في تلك الليلة اثنان من أِجع المناضلين يرحمهم الله، وهما: الشهيد رشيد محمد الياسين (أبو شريف)، والشهيد محمد علي الغولة (أبو صالح الغولة).

معركة دار العتّال أو بيارة علي صالح
في أصيل يوم 8/2/1948 وقبل الغروب بقليل أيضاً قامت مجموعات كبيرة من الأعداء اليهود بالتسلل من الجهة الغربية أيضاً المواجهة لمستعمرة هاتكفا، وكان هذا الاستحكام يقع في دار المرحوم مصطفى العتال والذي يشكّل نقطة الحراسة الثانية في مواجهة مستعمرة هاتكفا وتقع إلى الشمال من الاستحكام الأول الذي سبق ذكره في بيارة الشيخ علي، وظنوا أنهم إذا كانوا لم يتمكنوا من النجاح في اقتحام البلدة وتدمير الاستحكام الأول فإنهم سوف يتمكنون من تدمير هذا الاستحكام الثاني والذي يسيطر على الطريق التي توصل البلدة بالمستعمرة ظانين بأنهم إذا دمروا هذا الاستحكام وسيطروا عليه فإنهم سوف يقحمون البلدة بسياراتهم المصفحة التي كانوا يملكون عدداً منها، وأحضروا بعضها فعلاً في هذه المعركة وقد تسللوا من البيارات المتشابكة المقابلة لهذا الاستحكام المنيع والمقام في دار المرحوم مصطفى العتال كما سبق القول، وكانت البيارة المواجهة لداره وبيارته هي بيارة لعائلة آل علي صالح وتسلقوا شجرة توت كبيرة تقع في فناء حوش تلك البيارة وأقاموا عليه مدفعاً رشاشاً من نوع برن واستحكموا بين حفر (جور) أشجار برتقال تلك البيارة بحيث أصبح المدافعون عن استحكام دار العتال خلفهم أو بينهم وبين مستعمرة هاتكفا معتقدين بأنهم قد أحكموا الطوق عليهم، وأنه أصبح بمقدورهم السيطرة على هذا الاستحكام والتغلّب على المدافعين عنه بسهولة والنيل منهم، ثم قاموا فجأة وسوية بفتح نيران أسلحتهم من كافة الاتجاهات على هذا الاستحكام ونشبت معركة حامية أبلى فيها أهالي سلمة الشجعان بلاءً حسناً ولقّنوا العدو درساً لا ينسى في هذه المعركة، وما أن سمع أهالي سلمة بنيران العدو التي أطلقها مرة واحدة حتى هبّ معظم مدافعي البلدة لنجدة أخوانهم في هذا الاستحكام الذي هاجمه الأعداء وأمكنهم بهذا التسلل الذي قاموا به من تطويقهم، ولكن أبطال أهالي سلمة الذين أدركوا ما دبره العدو تقاطروا بسرعة البرق مستفيدين من منخفض أرضي يعتبر مجرى ماء (شلال) استطاعوا المرور منه، وبدلاً من أن يصبح أخوانهم في هذا الاستحكام محصورين أو مطوّقين وضعوا المهاجمين اليهود بدلاً منهم في مثل هذا الوضع وأمطروهم بوابل من نيران أسلحتهم من كل صوب وقتلوا أحد الأعداء الذين تسلّقوا شجرة التوت الكبيرة، ولم يلبث أن هوى أرضاً وسمع صوت ارتطامه بالأرض، وقد أخذ العدو بالسرعة الهائلة التي تمّ فيها تقاطر هذه الأعداد الهائلة من مسلحي أهالي سلمة الذين كانوا يقبلون بالتهليل والتكبير وينضمون إلى المعركة وقد دارت معركة شديدة الهول على العدو الذي لم يعرف ولم يتمكن من سحب قتلاه فترك في ساحة المعركة بعد نهايتها أربعة من قتلاه ووجدت برك من دماء قتلاه وآثار جرحاه في الخلف، كما بقيت سيارات الإسعاف ساعات طويلة تطلق زواميرها وهي تنقل قتلى وجرحى العدو وقد أخذ أهالي سلمة قتلى العدو الأربعة الذين لم يتمكن من إخلائهم من ساحة المعركة ووجدوا في جيب كل منهم وثيقة تبين مكان إقامته ورقمه العسكري وإذا هم من مختلف مستعمرات فلسطين، وهذا يثبت بأنه كان لهم جيش رسمي يحشد إمكاناته لمهاجمة أي مكان يريد بينما كان عرب فلسطين تواجه كل مدينة أو بلدة من المدن والبلدان المواجهة للعدو مصيرها بنفسها، وبإمكاناتها الخاصة، وهذا ما جعل العدو يتفوق في النهاية على عرب فلسطين لأنه كان يحارب بكل طاقاته التي كان يحشدها في المكان الذي يريده بينما حارب عرب فلسطين تلك المعركة، معركة (48) بطاقات وإمكانات مبعثرة في كل مدينة أو بلدة كانت أو أصبحت في المواجهة وبقيت طاقات شعب عرب فلسطين معطّلة في البلدان والقرى البعيدة نسبياً عن ساحة المعركة.
ورغم الإصابات العديدة التي أوقعها أهالي سلمة في مهاجمي العدو في هذه المعركة فلم يقتل منهم سوى أحد أبطالهم وهو الشهيد قاسم صالح قاسم العالم، كما قام أهالي سلمة بدفن قتلى العدو الأربعة الذين أخذوهم في ساحة مدرسة البلدة وقامت سلطات الانتداب بالحضور واستلام الجثث من الأماكن التي دفنت فيها بعد ذلك بأسبوع وقد قامت سلطات الانتداب بمحاولة إرهاب أهالي البلدة عن طريق تحليق إحدى طائراتهم الحربية فوق البلدة باستمرار وحتى استلامهم لتلك الجثث.






شارك تفاصيل معركة سلمة الباسلة  في فترة النكبة عبر شبكة التواصل الاجتماعي




"اعداد وتقديم موقع يافاyafa4you"


تقديم بحوثات علمية وثاقفية
 حيث سنستمر بتقديم بحوثات لاحياء يافا 
وقرأها والتعرف عليها فضلأأ لدعما شاهد احد الاعلانات المتواجدة 
بلموقع ونشكركم لحسن زيارتكم 



أقراء المزيد

سلمه الباسلة اكبر قرية بقضاء يافا






سلمة :عبد العزيز صقر اكبر قرية بقضاء يافا





اعداد وتقديم موقع  يافا yafa4you          


الصفحة الرئيسية                  اتصل بنا       



reaction:

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. عمر النادي عبد الحميديونيو 15, 2019

    بوركت جهودكم في توثيق تاريخ سلمه ومناضليها في ظل هالتعتيم المقصود في اظهار بطولات اهاليها وعدم اهتمام اهاليها في تأريخ ما جرى ابان احتلالها من قبل عصابات اليهود..لكن اتمنى ان يتضمن التأريخ شهادات حية او مكتوبة وان لا يكتب التاريخ من منظور الحادي الجانب ..وان يفتح كادر لتوثيق احداث الحرب وقبلها لقرية سلمه بالصور والوثائق ان امكن ..مع كل الشكر المسبق
    عمر النادي

    ردحذف

إرسال تعليق