جاء اختيار هذا البحث في إطار الاهتمام الذي نقوم به في توثيق تاريخ القرى الفلسطينية المدمرة، واخترنا الكتابة حول قرية بيار عدس التي دمرت، ونظرا لقربها من كفرثلث لهذا كانت أقرب وأن بعض كبار السن لا زالوا يعيشون في كفرثلث وقلقيلية ممن عاشوا فيها أو كانت لهم صداقات معهم.
نأمل أن نكون قد نجحنا في سبر غور هذا البحث وما يليق بها وان لم يكن ذلك فهو جهد المقل في سبيل خدمة هذا الوطن ورفعة أبناء الأمة.
موقعها:
تقع إلى الغرب من جلجولية والى الجنوب من كفرسابا، وشمال شرق يافا، وشمال رأس العين، نشأت فوق رقعة منبسطة من السهل الساحلي، لا يتجاوز ارتفاعها خمسين مترا عن سطح البحر وبلغت بيوتها في أواخر عهد الانتداب قرابة خمسين بيتا، وقدر عدد سكانها سنة 1945 قرابة 300 نسمة (1)
حدثنا أحد الرواة:
"قرية صغيرة في السهل الساحلي تقع غرب جلجولية بعيدة اثنين كيلومتر، وغلى الغرب منها تقع خور الواوي التي أقيمت عليها رعنانا ويقع للجنوب منها قرية أبو كشك وراس العين وشمالها كفرسابا وأراضيها تجاور أراضي قلقيلية "
التسمية:
سميت بهذا الاسم لوجود مخازن تحت الأرض حفرت في الصخر، وغلة العدس الشهيرة. ويذهب راو أخر أنها سميت نسبة لولي صالح واسمه أبو العدس له شجرة وبلوطة في جانبها من قبلي وتحته قبر، ولأن العدس المزروع فيها كان طبيخا (3).
مساحة الأرض:
تبلغ مساحة القرية 14 دونم ومساحة أراضيها 5492 دونما، تسرب لليهود منها 109، دونما للطرق والوديان 40 دونما، وغرست الحمضيات في 1604 دونما وجميعها ملك العرب، وتحيط بأراضي بيار عدس أراضي قريتي جلجوليا وكفرسابا والحصون اليهودية (4).
كان في بيار عدس عام 1922م 87 نسمة ارتفعوا في عام 1931 إلى 161 نسمة منهم 87 ذكر و74 أنثى وهم مسلمون ولهم 28 بيتا (5).
أصول العائلات الاجتماعية وعلاقاتها:
تعددت عائلات القرية، رغم صغرها وجاءت من فلسطين وخارجها، ويختلف تاريخ قدومها، كما انه أقامت بجانبها قبائل بدوية ونزلها أشخاص لغرض العمل فيها. عن هذه العائلات حدثنا الراوي:ـ
"اصل القرية عائلة أبو مجاهد وهم قرارية البلد ومعهم دار ألخضراوي، ومن عائلاتها دار النيص أصلهم من قرية الجية قضاء غزة، ويتحدث أحد أبناء القرية: من عائلاتها دار النيص، والسوقي ودار مسعود، لويسي.
جاء جدي من مصر وجاءت معهم جدتي واسمها مشرفة وهي من عائلة كبيرة في مدينة القاهرة اشتهرت بكرمها وكانت بدوية، وكلما مر شخص بالقرب من خيمتها استضافته واحترمته ودعيت العائلة باسمها(6).
كانت العلاقات بين أبناء القرية حسنة ولم تعرف حالة التناحر التي سادت قرى أخرى، ولها علاقة وطيدة مع قلقيلية وكفرسابا وعرب أبو كشك وكفرثلث وعرب الجرامنة، ويلاحظ أن معظم المصاهرات مع قرية كفرسابا، حتى أن علاقاتهم كانت حسنة مع اليهود الأوائل الذين استوطنوا مجدييل ورعنانا لكن هذه العلاقة تغيرت بعد ثورة 1936ـ 1939
الحياة الاقتصادية والمعاشية
اشتهرت بيار عدس بوفرة محاصيلها وخيراتها في أرض سهلية خصبة،وكانت فيها بيارات الخضراوات والحمضيات والمحاصيل الحقلية وتعددت مصادر الشرب فيها سواء الآبار الارتوازية أو آبار الجمع العميقة، وكان حالها ليس كحال قرية قتورية التي أهلكتها سبخة وقضت على سكانها، وقيل فيها شعرا شعبيا يبين مخاطرها ويحسد فيه الشاعر قرية الطيرة الصعبية على الخير البادي على وجوه أهلها، وكذلك مستعمرة ملبس، بينما مرض الملاريا والحميات تنهش أبناء قتورية، وانتهت قتورية من الوجود بسبب ذلك في العهد العثماني الأخير والناس عاجزون عن حل هذه المشكلة، حتى العهد البريطاني وفيه تم تصريف المياه بعمل المبازل
وكان مختار قرية بيار عدس من عائلة النيص، وهو المرحوم الحاج سعيد حامد النيص (ابو زياد)، وكانت عائلته من اشهر عائلات بيار عدس واغناها..
ومن حيث التعليم، لم توجد في القرية مدرسة حكومية، فاقام اهل البلد غرفة مدرسية لأطفالهم في جزء من ارض المختار ابو زياد النيص، وجاء مدرس من الطيبة اسمه عبد الغني زيدان، وكان يعلمهم مواد العربي والدين والحساب، والانجليزي، وكان يدرسون للصف الخامس، ومن اراد متابعة الدراسة كان يذهب الى مدارس الطيرة او الى قلقيلية. كما اقيم جامع ومضافة في جزء من أرض المختار ابو زياد
فيديو
حرب 1948 وتهجير القرية:
بعد صدور قرار التقسيم في عام 1947 شاعت بين الناس مظاهر الخوف بفعل الأعمال التي تقوم بها المنظمات الصهيونية العسكرية، وقد حاول اليهود إشاعة الطمأنينة في نفوس العرب، واشترطوا أنهم لن يهاجموا العرب ما لم يشاركوا بالأعمال العسكرية .
وفي هذا السياق اجتمعت الزعامات الصهيونية في منطقة المثلث مع الزعماء العرب. كتب المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس: كما اجتمع وجهاء هذه القرى وكذلك مخاتير عرب أبو كشك وجليل، مع مندوبي الهجناه في كانون ثاني 1948 في بيت أبرهام شبيرا في بيتح تكفا وأعلنوا عن رغبتهم في السلام ..(21)
لم تصمد هذه الاتفاقيات وكان مصيرها الفشل، حيث جرت اعتداءات من المنظمات الصهيونية على القرى والمدن العربية وكانت القرية تتاثر بما يجري حولها من اشتباكات بين قوات جيش الانقاذ والجهاد المقدس والاشتباكات التي جرت في يافا وحيفا وحالة الرعب التي زرعتها المنظمات الصهيونية مما دفع الفلسطينيين نحو الهجرة والرحيل عن البلاد.
يقول المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس:
"كانت الهجرة العربية من القرى في تلك الفترة أكبر ما يكون في منطقة الشارون بين تل أبيب والخضيرة ، لكن تلك المنطقة كانت تسكنها أغلبية يهودية... كانت أول قرية هجرها أهلها هي قرية خربة عزون على الحدود الشمالية لرعنانا. لقد هجرت تلك القرية في 21 كانون أول 1947، خوفا من تعرضها لهجوم يهودي..." (22).
لم تكن خربة عزون بعيدة عن بيار عدس سوى بضعة كيلومترات، ولهذا تأثرت بيار عدس بهذا الواقع، واخذ الخوف يسيطر على أفئدة السكان من المجهول الذي ينتظرهم
تعليقات
إرسال تعليق